الأحد، 30 سبتمبر 2012

(الفراغ العريض) لملكة الدار محمد، رواية متفردة ونادرة

غلاف رواية الفراغ العريض لملكة الدار محمَّد
الغلاف الأخير للرواية وبه سيرة ملكة الدار محمد  
        رواية (الفراغ العريض) 1970 م رواية سودانية، لم تجد حظّها اللائق بها، من البحث والنَّقد والمدارسة، وما كتب عنها حتى الآن، لا يعدو كونه اسقاطات عفوية تحاكم النّص مسبقاً بفرضية الحقبة التّاريخية، وقوالب النّقد الجاهزة التي لا ترى في القديم ما يشى بنَفَس وملمح من ملامح التّكنيك الحداثوي، الذي ينسب دائماً للراهن من التاريخ، ونسي هؤلاء أنّ المتنبي أكثر حداثة من بلايين الشّعراء الذي يملأون منابرنا الثّقافية بضجيج وفحيح مزعج
   لقد وظّفت ملكة الدّار محمّد في رواية (الفراغ العريض)، اللغة توظيفاً جمالياً وتمكنت بالمزاوجة بين المحكي اليومي والألفاظ المعجمية المدرسية الفصيحة، في سبك من السّرد الميسور السّهل دون معاظلة وتقعير!  
"ومادت الأرض تحت قدميها فاستندت إلى الجدار السميك، وأحست بعزلة قاتلة، وبحاجة شديدة للبكاء - بل للصراخ، ودت لو تصرخ وتملأ الدنيا صراخاً، فلم تستطع. وأرادت أن تجري وراء العربة في الشارع ولكن قدميها مسمرتان إلى الأرض وهي مشدودة إلى الجدار.
 وبعد لأي وقد تقدم الليل، استطاعت أن تتحرك، وأخذت تسير في اتجاه بيتها بخطى مضطربة، والدنيا مظلمة في جهها، والمرئيات تدور أمام بصرها وتدور، ونفسها كسيرة وقلبها مجروح، والفراغ عريض،عريضخاتمة الرواية  ص   200
   منى وصلاح وحاج عمر وسارة وسعاد وسيد، شخصيات من لحم ودم وهموم ومواجيد وأحاسيس وأشواق، تحددت قسماتها وتجلت بوضوح وعفوية ونزوع واقعي، دون رتوش وتمويهات وافتعال.
 وأنت عندما تطالع النّص، تقف هذه الشّخوص أمامَك بكل مكنوناتها، ولا يكون دورك سالباً، بل تقوم بردم الفجوات، والمشاركة في تخلّق تلك الشّخوص، استنباطاً وكشفاً.
   كردفان والنّيل الأزرق حيث الطبيعة (الشّحمانة المدوعلة)، المتنوعة الغنية الراكزة في عمق الوجود الإنساني الحي، عندها وعند هذا الفضاء المتوتر بالمرئيات المدوزنة بالعافية، كانت مخبوءات الرّوى تصطرع في مخيلة ملكة الدار محمد، فتخوم سنجة، وقيزان وخضرة وكردفان وتراثها، عوالم من البهاء لا بد لها من تمظهر وتجل في خطوط سرد ملكة الدّار محمّد، لأنها كانت هناك! والعواصم بكل انكساراتها وأوجاعها تأبى إلا وأن تكون في ركاب العفوية والطلاقة والبراءة والندى! (وراك وراك)، فزمان الرومانسية محاصر ومطارد ومعزول في عصور التّاريخ والعمران المهجور في الضهاري والأخالي والصقايع المترامية في النجوع والوهاد والبوادي البعيدة عن متناول المدينة و(قوة عينها).
"وقد أشرق صحواً بهيجاً، فلما انتصف النهار تبدل صفوه  وتغير صحوه، واشتدت حرارة الشمس، وانصب لهيبها قاسياً محرقاً  يلهب الأجسام،  ويحرق الوجوه، وأخذت قطع السحاب تتجمع هنا وهناك حتى صارت سحباً كثيفة حجبت الشمس ومنعت الهواء ونشرت ظلمة قاتمة بعثت الضيق في النفوس والغيظ في قلوب الذين لم يفرغوا من انجاز أعمالهم، ولبث الناس ينتظرون مطراً غزيراً ومياها كثيرةص 24
    طباعة رواية (الفراغ العريض) في عام 1970 م متأخرة كثيراً عن زمان تخلقها وميلادها، فأجواؤها وعوالمها تؤهلها لعقدين سابقين من الزمان، وفي هذا الزمن المبكر من عمر الرواية العربية والإفريقية والسودانية مما يجعلنا نبحث عن رتبة تلائم هذا السبق للمرأة السودانية التي تمتعت بلعب دورها الرّيادي في التّنوير والإبداع، فشخصية المرأة السودانية في هذا النص الروائي -الفراغ العريض- شخصية متوثبة، وليست كما يشاع (كان فاس ما بتشق الرّاس (بل تشقه وتشقه وتشقه)! هذا في مقام الدلالة على الفعل والعطاء! والحضور الحياتي الفاعل جداً ! ""لو أنه عارض رغبتها ! إنّ في وسعها أن تسعى إلى ما تريد دون أن تكترث له أو لغيره، لولا أن شروط خدمة المتزوجة تقتضي موافقة الزوج في ذلك الوقتص 131
) لن تكترث  له أو لغيره (شاهد على نمو الشّخصية القوية المتماسكة المستقلة، التي تعرف حاجتها التى تقتنع بها، وتتجه نحوها بكل قوة وعزيمة
والكتابة عن المرأة وقضياها بأدوات السرد الروائي، في تلك الفترة من عمر الثقافة السودانية، نقطة مضيئة، وريادة لها وزنها الراجح المعتبر. وذلك لأن المفهوم المغلوط السائد عند الناس، هو أن المرأة السودانية لا تساهم في رفد الفعل الثقافي، لما تمر به من أحوال اجتماعية ضاغطة، والشاهد أن هذه الأحوال ليست وقفاً على المرأة السودانية وحدها، بل هي حالة عايشتها المرأة في كل أركان الدنيا، في تلك الفترة لأنها مرتبطة بالوعي والمد الحضاري للتجربة الإنسانية.
  تقنية السّرد عند ملكة الدّار محمد.
مصطلح التقنية  المنحوت من لفظي العلم والصناعة (الفن) (Technologia) حفي بالرواية وأساليبها وطرق سردها، ومسار أسرارها وحرفيتها التي عرفت بها. ويعرف قاموس مريام  ويبستر مصطلح التقنية بأنه:" التطبيق العلمي للمعرفة خاصة في حقل معين" http://ar.wikipedia.org/wiki/  
والتقسيم الحاد بين المناهج، الكلاسكية، والرومانسية والتاريخية، والواقعية والرعوية وغيرها، تقسيم تلحقه بعض الشوائب والبقع الداكنة المعمية، فبين هذه المناهج قواسم وعلائق، وإن فصل الزَّمن وتاريخ الأحداث بينها
   رواية الفراغ العريض، رواية تلتزم تقنية سردية تتنوع فيها عناصر السرد، وتحيل القارئ إلى فضاءات من الحكي المشبع بالخبرات، فالفلاش باك والبانوراما والرسائل والنزعة البوليوفونية Polyphony (تعدد الاصوات) على غير المألوف في فترتها الزمانية، وتنوع خطاب السرد من خلال ضمير المتكلم، والمخاطب والغائب، وتسارع الزمن وتفتيته، هي بعض الأساليب وتقنيات السرد، التي تعالج بها رواية الفراغ العريض،
النَّقاد والرّواية
- اللغة وعتبات الكتابة.
- المرأة السّودانية وعوالم الرّواية .
تبع.......
                                                                                                 محمّد الفاتح يوسُف أبوعاقلة  

الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

أحمد الخير


أحْمَدُ الخيرِ

نعمْ يا سيدي يا أحمدَ الخيرِ
 الذي ملأ الدُّنا إيلافا
يا رحمةً وصلتْ أواصرَ
 أُمتيوتنزّلتْ  إلطافا
ما كان بالإمكان يا ألقَ 
الوجوِدنقابلُ الإنْصافا
لولاك ما انهزم الظلام
مبعثراً وموزعاً مندافاً
ولما عَرفنا قطٌّ دوزنهَّ
الخطى في سيرها ايجافا
يا سيدي لجنابِك العالي
 هَفَتْ كُلّ القلوبِ خِفافا
***
مِنْ أينَ يُدركنا الَونَى مِن
بَعدما صَهْو المحبةِ امتطينا
ما ضلّ من بكَ استجارَ
ولا أحسّ ضنَى ومَينا
كلّ العوالم أيقنتْ أنّا
بهديك اهْتَدينا
وتسربلتْ أرواحنا بسناكَ
وانسدلت عَلينا
هذى البشارةُ أيْنعتْ
أضْحتْ حقيقةَ ما رأينا
بَّراً حفياً باليتيم
وبالذي يقتات دينا
***
يا سَيّدي ما شاهدتْ
عينُ الزمانِ سواكَ فَضْلا
أبداً ولا سَعتِ المكارمُ
أرقلتْ ذَوقاً ونُبلا
هذي الحياةُ خبيئةٌ
لولاك ما بَرزَت لتِتُلَى
آياتك النبراس يا مَنْ
صَيّر الايحاشَ خَضْلا
***    
                                             شعر/ محمّد الفاتح يوسُف أبوعاقلة

الاثنين، 17 سبتمبر 2012

العدد السابع من إصدارة التنوير والتثقيف

لقد صدر العدد السابع من إصدارة التّنوير والتّثقيف، والتي يصدرها قسم التنوير والتثقيف بإدارة البحوث والتّخطيط والتنمية بجامعة السودان المفتوحة، وهذا العدد عدد خاص بمنطقة النيل الأبيض التعليمية.
يحتوي العدد على العناوين التالية: 

* كلمة التّحرير                            ص   5
* منطقة النيل الأبيض التَّعليمية            ص   6
* معمل الحاسوب                         ص  11
* مسجد الكون                             ص  13
* الشاعر فتحي حسن عمر المنصوري      ص  15
* روابط وصلات                             ص  18
* الباحث الأديب الطيِّب العبَّادي              ص  27
* الشاعر الشعبي خلف الله علي بلل         ص  33
* قصائد عن كوستي                       ص  26
كتير بلَّة خالية من الأميَّة                   ص  43
* بخت الرضا/ إدريس محمّد جماع          ص  42
* من أعلام النيل الأبيض د.التجاني الماحي  ص  46
* Thy Say  الأستاذ كيريا أحمد نصر        ص 48 

الخميس، 13 سبتمبر 2012

رسولنُا الكريمُ عليه أفضلُ الصلاةِ والتسليمِ




آليتُ مَــا في جميــــــع النَّاس مجتهــدا مِني أَليــــــة بــر غيــــر إفنــــاد 
تالله مـا حَملت أنثى ولا وضعتْ مثل الرَّســول نبي الأُمــّــة الهـــادي 
ولا بَرا الله خلقــــــــاً من بريتـــه أوفــى بذمـــــة جــــــار أو بميـــعاد 
 من الـَّـذي كان فيـــــنا يستضــاء به مبارك الأمـر ذا عـدل وإرشـاد 
أمسى نسـاؤك عطلن البيـــوت فما يضربن فـــوق قفــــا ستــر بأوتاد 
مثل الرواهـب يلبسن المبـاذل قد أيقن بالبؤس بعـــد النعمــة البـادي 
يا أفضل الناس إني كنـت في نهر أصبحت منه كمثل المفـرد الصادي 
                                   حسان بت ثابت

الاثنين، 10 سبتمبر 2012

من عصارة الكتب

      رَكِبَ يحيى بنُ خالد البَرْمَكي يَوماً مَع هَارون الرّشيد، فَرَأى الرّشيدُ فِي طَريقِه أحْمالاً، فَسَأل عَنْها، فقيلَ لَه: 
هَذه هَدايا خُراسان بعثَ بها إليكَ واليها عليّ بنُ عيسى بنُ مَاهان.
وكان ابنُ ماهانَ وليَها بعدَ الفَضل بنِ يحيى البَرمكي. فقالَ الرشيد ليحيى
أينَ كانت هذه الأحمالُ فِي ولايةِ ابنِك؟!
فقاَلَ يحيى:
كانتْ فِي بيوتِ أصْحَابِها. 
                                                                                 (معجم الأدباء) لياقوت الحموي

الدافوري وكرة الشراب

     (قون المغربية أخير من مية) وتعلو الأصوات، وتتدافع الأقدام نحو جردل الليمون المسكّر، والغبار يسيل مع العرق المالح على وجوه اللاعبين أبناء الحي الواحد، والجلسة على الأرض المهروسة الناعمة بفعل اللعب والمحاورة ، جلسة راحة وحبور ومتنفس للأنفس المكدودة، فلقد تطايرت الهموم بعيداً ، وحلّ محلها رهق لذيذ، وملامح الأصدقاء تشعر الفرد بفضل الرّفقة والجماعة. 
  كرة من (الشُّراب) وهو جورب التقطه أحدهم من بيته وعالجه بحشوه بالدّلاقين، وشدّه وسوَاه وكوّره، كرة مستديرة جميلة، يحفظها أحرص اللاعبين على الدافوري عنده في بيته، ويقوم بصيانتها وتجديدها، وربما تغييرها إن أصابها عطب كبير. 
  المرميان من الحجارة، وملابس اللاعبين هي ملابسهم التي يجيئون بها من أعمالهم فمنهم من يحضر بملابسه وعليها آثار العمل، فلا وقت لديهم للذهاب إلى البيت لاستبدالها. وهناك من يخصصون للدافوري بعض الملابس المناسبة، وهم في الغالب الأعم من طلاب المدارس، الذين لهم متسع من الوقت يمكنهم من الاستعداد للدافوري من وقت مبكر. 
  على أطراف الساحة نفر جلوس من أهل الحي يتسامرون ويتابعون اللعب، ويتدخلون بالتشجيع والتعليق، وربما تفضل بعضهم بفض النزاعات إن حدثت مشاجرة بين اللاعبين.  
 هناك من يعترضون على الأقوان التي تصيب مرماهم، وهم ممن يطلق عليهم لفظ (المخرخرين) الذين لا يقتنعون بحكم الحكم، ويكثرون من الاعتراض والاحتجاج. في مرات كثيرة تدور مباريات دافوري بين حيين مختلفين أو بين قريتين متجاورتين، وفيها في بعض الأحوال المتوترة، يحدث دفن للعصي (العكاكيز) في مكان قريب من الملعب تحسباً للطوارئ.  
  غالباً ما يبدأ الدَافوري بالقسمة التي يشرف عليها لاعبان من ذوي الخبرة فيختار كل منهما مجموعته وهذه  العمليةكانت تسمى قديماً في |ألعاب الصبية (التسامي). بعض المشاغبين يحضر متأخراً ويصر على دخول القسمة وهذا مفتتح للشجار والخلاف! 
في المساء والهواء البارد يصافح الوجوه وبعد العودة من المنازل والذهاب لصلاة المغرب والعشاء، يلتقي اللاعبون ويتجمعون حول صحون الفول بالجبنة والطعمية ويتبادلون النكات والضحات، والابتسامة تعلو الوجوه، ويمتد السامر الحي، في أحياء السودان ...يا سلام !!! 
                                                                 محمّد الفاتح أبوعاقلة