الصفحات

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

عن الشعر والشعراء في بلادي (1)

     هناك شعراء في بلادي لم تسمع بهم أجهزة الإعلام، ولــــم يتناول النقّاد أعمالهم، هم الشّعراء الذين  سيخلد شعرهم بالرغم من هذا الغياب!!! فلا نجد لهم  أثراً في شلليات الشّعـــراء الذين يتخندقون في منتخبات وروابط، تحتمها عين الرّضا والمجاملات ... ولا في رحلات الشعر وأسفار الهواء الطلق وأثير الابتسامات الباردة الهامدة ....فيا شعراء السُّودان، أشعاركم في ذمّة التاريخ، أين أنتم من خليل فرح ومحمد سعيد العباسي والتيجاني يوسف بشير ومحمد المهدي المجذوب ؟ لماذا لا يُعتق الشّعر والقصائد من هذا الحب القاسي، والتمثيل على التمثيل؟  فالقصيدةُ حين تَكْتُب الشّاعرَ فعلاً وحقاً، تكونُ هي القصيدةُ التي لا تحتاجُ للشلليات، ولا للفضائيات ولا للمساحيق والشيات والبسمات والمُجاملات ....الخ !  وما يَصْدُقُ على الشّعرِ، ينسحب على كثير من الأجناس الأدبية الأخرى.  
 رحمَ اللهُ التيجاني يوسف بشير الذي يقول:
بعضُ منْ فِي القُبورِ مَوْتى       وبعضٌ كانَ فقدانُه سبيلَ بقائِه
  بعضُ مَنْ في القبورِ أوفرُ حظاً   بنعيمِ الحَيـــاةِ واستيـــــــفائه  
    تحيا القصائد إن استحقت مدلولها، وصارت قاصدة للمعاني، والألفاظ ما هي إلا أوان للمعاني! 
    تعج الساحة الآن بأصوات كثيرة، والشعر يبحث عن الرواء والماء الذي أشار إليه العلامة الرَّاحل البروفيسور عبدالله الطيّب (رحمه الله) في كتابه القيم (القصيدة المادحة).   
   الشعر يحدث مفعوله الواضح في ذائقة المتلقي، فينعكس هذا على مردوده الثقافي، فنجده عندها يتمثل المحفوظات منه، وهذا ما يغيب الآن! فكم منكم من يحفظ بيتاً أو بيتين لشاعر من الشعراء والشاعرات ممن يملأن الفضاء الثَّقافي الراهن صياحاً وتشاعراً، وهل ما يقدم الآن هو الشعر الذي نرجوه؟ كامتداد طبيعي لسابقه من الشعر الذي جاء به الخليل فرح بدري، على المستويين الفصيح والعامي؟ إن كانت الإجابة  نعم، فهذه كارثة كبرى! وإن كانت لا فما الفكاك؟ وكيف يعالج هذا الأمر الذي لا نحتاج لمجهود كبير للتدليل على صحته؟ الشواهد كثيرة جداً لا أحب إيرادها هنا! ولكن ربما في مرحلة متقدمة من هذه الورقة بإذن الله تعالى، وفي شكل مدارسة موضوعية، لا غرض من ورائها إلا استكناه واقع العمل الثقافي بالسودان، دون قصد إلى المساس بشخص بعينه.  
   ولا يسد هذا الرأي أفق النظر إلى بعض الأصوات المتميزة المجيدة في فن الشعر في السودان، وهي على قلتها دليل قاطع على أن الشّعر السوداني حي يرزق في ينابيعه الحقيقية! ولكنه لا يكاد يبين، وسط كم الهشاشة الشعرية المتداولة في معظم المنابر الثقافية. فالاستثناء واقع هنا لبعض الأصوات القليلة كماً، الرفيعة كيفاً، والتي سوف أقوم بالإشارة إليها كنماذج لنصاعة الشِّعر وتماسك عناصره ومكوناته، وعلى القارئ أن يقارن بينها وبين الشعر الذي لا أريد أن اسميه هنا! وهذا على المستويين الفصيح والعامي أيضاً.
يتبــــــع........ 


                                             محمَّد الفاتح يوسف أبوعاقلة