الأحد، 18 سبتمبر 2016

لماذا لم يتعوسب الرَّاعي في (السِّبر) ؟ قراءة أولى في مجموعة (حورية مريس) للقاص عبد الباسط مريود

قراءة أولى في مجموعة (حورية مريس)
لعبدالباسط آدم مريود
                                                 د. محمَّد الفاتح يوسف أبوعاقلة

 *(اللغة أداةُ الإنسان الأولى للعقل ... فهي ترميز للفكر).[1]
*** 

       تقودنا الإحالة عنوة إلى العلاقة بين الرَّسم والتَّشكيل، وبين فن القصة القصيرة. في مجموعة (حورية مريس)، للقاص عبدالباسط مريود، والتي جاء فيها الاسم (مريس) غفلاً من الضبط بالشَّكل، وهو العتبة الأولى التي تنوء بمحمولات المجموعة، ذات الخصوصية المكانية السَّاحرة.
     ما دامت القصة القصيرة حدثاً مركَّزاً بسيطاً ومختصراً، تتخلق فيما لا يتجاوز العشرين أو الثلاثين صفحة، مع قدرتها على أن تكون بكامل بهائها في صفحة أو صفحتين، متناغمة وملتزمة بجيناتها القصصية المتمثلة في: الزَّمن المحدود (يوم أو ساعات)، والحيز المكاني المحدود كذلك، مع الحوار المختصر، والشَّخصيات القليلة العدد، مع ضرورة الالتزام بخاتمة (تنويرية)، تأتي مباغتة وعلى غير ما يتوقع القارئ، والذي إنْ تكهن بها وقاده حدسه، وسبقها بفراسته، وتخطى سردها إلى مآلها وخاتمتها، فقدت بكارة إدهاشها، وسقطت ميتة مغسولة ومجففة يابسة، وخالية من ماء الإبداع .
     نجد أنَّ القصة القصيرة تفارق جنس الرواية في أنها تركيز على بؤرة حدث، أو أحداث ترتبط بأشخاص في حيز زمكاني محكم ومضغوط، وليست كالشريط السينمائي المتحرك في مساحات طويلة ومتشعبة كما هو في الرِّواية.
هل يمكننا قراءة الأسماء في قصص حورية مريس، والعودة بها كراسب إنساني يشدنا إلى الثَّقافة الإغريقية، التي تعطي الأشخاص أسماء ذات إيحاءات مخيفة، ظناً منها بأنَّ الموت سوف يتهيَّب أصحابها، ويفسح لهم مجالاً للعبور.
    نقف عند ود جعيكيك، والقشيمات، والدناكيج، وأم تقلقلوا، وجعران بن تحماد وحتى يعسوب بن جلوك، فهي أسماء ذات صلة بيئة شمال كردفان، (غبيش) وما جاورها من القرى والحلَّال، وما فيها من الوديان والسهول والتِّلال، والأشجار والحيوانات والطيور، حضور قوي للتفاصيل الدقيقة، يزيده ألقاً حضورُ إنسان هذا المكان، المتصالح مع هذا الفضاء الساحر، بكل ما في السِّحر من عمق.
    هل تصدق مقولة الفيلسوف الفرنسي إرنست رينان على الجزء الذي فينا من العروبة في مجال الملحمة والدراما، حيث نجده يقول: (إنَّ العقل السامي ومنه العربي عاجز بفطرته عن إبداع الملحمة ثم الدراما). وهل يمكننا تخليص القصة القصيرة من قبضة هذا العجز الذي يتهم به الجانب العربي فينا؟ 
    إنَّ ميلاد القصة القصيرة في القرن التاسع عشر في الغرب، والعطاء المتميز لكل من:  موباسان، سومرست موم، آرنست همنجواي، أنطوان تشيخوف، والذي نجده يرسل رسالة مهمة إلى أخيه، تعوِّل على الصدق الذي عوَّل عليه حمزة الملك طمبل في خطابه لشعراء السودان، عندما قال لهم: (يا شعراء السودان أصدقوا وكفى)، وفي هذه الرسالة يقول تشيخوف لأخيه: 
   "ينبغي على الكاتب إلا يصف عواطف لم يشعر بها هو نفسه".
    فهل صدق رواد القصة منذ محمَّد تيمور ومحمود تيمور في قصصه الوثبة الأولى (عطر ودخان/ شفاه غليظة/ مكتوب على الجبين)، ويحيى حقي، ومحمود طاهر لاشين، ويوسف إدريس، وعبدالله الطوخي، وفاروق منيب، ومحمَّد أبوالمعاطي أبو النجا، هل صدقوا ووصفوا العواطف التي كانوا يشعرون بها حقاً؟
   وهل صدق كتاب القصة القصيرة في السودان، والذين حفل بهم كتاب البروفيسور مختار عجوبة؟  وهل صدق الذين لم يرصدهم ويضمهم هذا الجهد النقدي المعتبر للبروفيسور عجوبة؟  الذي يحدد عناصر القصة القصيرة في الآتي: الشخوص، والعقدة، والموضوع، ثم الحكاية أو السرد. [2]

    يكتب البروفيسور مختار عجوبة :"الكتاب الملهمون، أو المفطورون أو الحدسيون العفويون، فإنهم عادة ما يسعون إلى معرفة شخوصهم كأفراد، ثم يحددون بعد ذلك الوظائف التي يمكن أن يؤدونها".
      معرفة الشخوص لازمة لتحديد الوظائف، فلا تحديد بدون معرفة، مع الحذر الواجب من لفظ (تحديد)، حتى لا نقع في شراك الراوي العليم، وغير العليم، وموت المؤلف وحياته، والتي أعتقد أنه لا طائل من ورائها، فمتى ما توفر الصِّدق، وقوة الملكة الإبداعية عند أديب القصة القصيرة، فلا حاجة لمثل هذه المحاذير. 
 أحسب أنَّ الدكتور عبدالعزيز شرف في دراسته الموسومة ب (كيف تكتب القصة القصيرة؟) قد وقف على مسألة جوهرية في مجال القصة القصيرة، عندما أشار إلى:
:(المادة القصصية لا شأن لها بالتجربة الواقعية الحقيقية، ولا بالتجربة الخيالية ....لأن الواقعية هي الصورة التي في ذهن الكاتب عن الواقع، ولذلك فإن طريقة معالجة القصة، هي التي تجعل القصة واقعية أو غير واقعية).
    إنها مسألة جوهرية؛ لأنَّ الصُّورة التي في ذهن الكاتب، والتي تنتج لنا القصة القصيرة الواقعية، تعتمد تماماً على ملكات وطاقات الإبداع الكامنة في الكاتب، فلماذا نبحث خارج الإطار الموضوعي؟
    يمكننا تحديد الشَّخصية في القصة القصيرة بسماتها الجسمية، والحركية، والعقلية، والمزاجية، والتعبيرية والاجتماعية، وقد نتفق مع د. عبدالعزيز في أنه ليست هناك قوالب جاهزة للشخصية؛ لأنَّ العلم الحديث قد قدم بحوثاً جادة في دراسة وتحليل الشخصية أفادت القصة كثيراً، ولأن تعقيدات الحياة قد أفرزت لنا سمات عجيبة ومحيرة في الشَّخصية، لا يمكن رصدها إلا من قبل القاص الصَّادق، ذي الملكات الإبداعية العالية.[3]
    إنَّ ما يعالجه عبدالباسط مريود في مجموعته القصصية (حورية مريس)، يجعلنا نلتفت إلى ما ذهبت إليه سيزا قاسم، في إشارتها إلى الصور الوصفية التي تصف ساكناً لا يتحرك، والصور السردية التي تدخل الحركة على الوصف، عند تطرقها لجيرارد جينيه حيث يُسمي النوع الثاني، الصور المسردة.[4]
جاءت مجموعة (حورية مريس) وهي تضم عشر قصص، في ثمانية وسبعين صفحة من القطع المتوسط، صادرة عن دار عزة في طبعتها الأولى في العام 2003م
* مقدمة القاص مبارك الصَّادق. شهادة على أن المجموعة لها حضور حقيقي ومؤثر في خارطة الثقافة السودانية، (المرفعين بعرف جعري أخوه)، ولقد وفق مبارك الصادق في كل ما ذهب إليه، فنحن حقاً أمام مجموعة قصصية تستحق الالتفات إليها، والكتابة عنها فهي نتاج لإبداع سوداني خالص. وتجربة قصصية تضيء جوانب مهمة من حضورنا الإنساني، فهي تستدعي جماليات العطاء الثقافي الإنساني، من منطقة غبيش وما حولها، وتحاور بها الفضاء السوداني كله. وإبراهيم إسحق قد خطا خطوات بعيدة وواثقة في هذا الطريق الشاق.  

 إضاءات في قَصص المجموعة
1-    السِّبر.
-       تفتتح قصة السبر بعبارة (كانت القرية).
   يأتي السِّبر وحكاية الأعرج، وأزمة الشَّخصية، وصراعها النفسي والاجتماعي، وتوظيف التَّناص في السَّرد، مع استدعاء المعارف العلمية للراوي. يأتي موضوعاَ حيوياً يغذي القصة بنوع من السِّحر والخيال الذي يمتع القارئ كثيراً.
وفِّق الكاتب في رسم الصُّور المسردة توفيقاً تاماً.
   كما عمل القاص على توظيف المونولوج والديالوج، مما يضفي على السَّرد حيوية وإلفه تشد القارئ.
   جاءت خاتمة القصة في شكل حوار.
القاموس الذي استخدمه القاص، يزاوج بين الفصيح والعامي، على مستوى أسماء الأشياء والأماكن.
تتداخل التَّفاصيل ويتكاثف السَّرد.

2- حورية مريس.
   - تفتتح قصة حورية مريس بعبارة (كانت مريس). وتتكرر صيغة كان وكانت ولكن سرعان ما يتدارك القاص هذا التكرا ر وينفلت منه منوعاً في أساليب سرده.
   - استوقفتني عبارة (عند منتصفها تماماً شيئاً خلاسياً على جسد خداري)..  وجعلتني أتساءل عن ضرورة مراعاة الضبط اللغوي نحوياً وإملائياً، وهذا يؤدي لتماسك النص القصصي، وعدم تصادمه مع القارئ، الذي ربما نفر من عدم تقدير القاص لضوابط اللغة، وربما نجد مساحة للتبرير، بوضعنا لاحتمالات أخطاء الطباعة والتحرير موضع الاعتبار، وربما مال القاص إلى التماهي مع تراثنا الشَّعبي، الذي لا يتصالح مع ضوابط النحو والإملاء في بعض أنساقه، والمدائح خير شاهد على ذلك.
     - هناك تناص مع عبدالحي في العودة إلى سنار. 
     - وتناص مع ود ضيف الله في الطبقات.
     - تتجلى ثقافة القاص وسعة اطلاعه في النص. وبخاصة خبرته في مجال علوم الزراعة فهو يجد ضالته في توصيف عالم النبات والحيوان، من خلال خبرات الإنسان في بيئته، فالخبرات الفطرية تفتح آفاقاً رحبة للباحث الجاد.
 يشير القاص إلى مسرحية (عربة اسمها اللذة) للكاتب المسرحي الأمريكي تينسي ويليامز 1947، وهناك تحوير لاسم المسرحية Streetcar Named Desire A فهي (الرغبة) وليست اللذة.
    هذا التَّناص له ما يبرره فهو في محل الصراع الداخلي الحاد، بين الرَّغبات والأهواء الشَّهوانية، والأعراف المجتمعية.
- يجئ انبثاق عبق جسد الحورية من النهر وتقلبها ليفجر صراعاً حاداً بين رغبات: عجيب، والدرويش، والشخص القادم من وراء البحار. ظهور الشَّخص القادم من وراء البحار يحيلنا إلى حضور الغريب، ودوره في تغذية روح السرد القصصي، وهذه سمة أبدع الطيِّب صالح في توظيفها، ولقد أشار الدكتور عبد الرحمن الخانجي إلى هذا الأمر بصورة مقنعة جداً.[5]
- يظهر المكان حضوره القوي في زمنٍ خاص، دالته عبارة (فاض النهر)... 
- يتداخل الزمان والمكان في النَّص، وعلى القارئ ألا يجهد نفسه في محاولة الفصل بينهما، فهذا صعب ومستحيل.

3- التَّعوسب.
- تدور أحداث القصة في زمن خاص، هو فجر يوم من الأيام والناس عطشى. وقطعة من الليل، وقت انطلاق الصراخ من طرف الحلة.
- التَّعوسب وتوظيف الراسب الطوطمي في فهم وقائع وطبائع الناس والأشياء.
- (أفادني والدي أنَّ جدي الخامس كان جعران بن تحماد). ص 27
   (تبدل جلودها بالانسلاخ فهي لا ترعى عهدا ولا ذمة). ص 27  
- المفردات والمكان صنوان في هذه القصة، (الرهود- الدناكيج- ود جعيكيك- فريق القشيمات- هجليجة الضرا – الخازمي- القشيمي – القريسي- حمر مخارز الضبية).
 - خاتمة النص حوارية ذكية بين السحابات وجموع العطاشى، لا تتوقعها فطنة القاريء وهذا هو    منهج القصة ومعيارها الأمثل. ( يا حلاة دقلش عشان ننزل أمشوا يا عواسيب).
- يمكننا اعتبار هذه القصَّة نصاً معيارياً للقصة القصيرة. إنْ جاز هذا المصطلح. لأنها تتوفر فيها كل عناصر القصَّة القصيرة التي تواضع عليها النقاد.
4- القنديل.
 -  تفتتح القصة ب (كنت قنديلاً).
- تم تقسيم النص إلى لوحات (متاهة السلطان - متاهة الدرويش والحوار – متاهة الكمبوية       – وما برتعن تورين في بقر) كتبت (ثورتين).
 - (توري اب زنود ساقوا) صارت (توري الجنود ساقوا).
 - صراع مركزي بين مجتمع القرية الثابت، والمتحول الوافد والعمدة.
 - تتناص القصة مع الطبقات، بإيراد حكاية القاضي دشين مع محمّد الهميم ود عبد الصادق رجل المندرة. ومع مقابسات أبي حيان التوحيدي. 
5- فصول.
- تضم القصة ثلاثة فصول، وهي: (الإياب، الغياب، التَّلاقي). مما يجعلنا نتساءل عن غياب الفصل الرابع الذي يكمل منظوم فصول السنة، هل هذا أمر مقصود؟ وهل هناك دالة وراء هذا النقص في فصول السنة؟ الشيء الذي لم أقف عليه.
تتكرر متلازمة التوحيدي ومقابساته العرفانية، وهي تشد النَّص إلى محايثة الواقع المر، حيث النساء الوحيدات، المعزولات، المقهورات الغريبات. فهي قصة تحكي عن غربة الرُّوح في عالم اليوم، وصراع الحداثة والأصالة.
     يمكننا القول إنَّ العودة إلى الينابيع الأولى، هاجس يسكن معظم قصص المجموعة.

6- سقوط وتماثل.
   الصراع النفسي الحاد يعتمل في صدر صابر، وهو يسعى للتواصل مع  مادلينا.
يأتي التناص مع أبيات شوقي بزيع، قلقاً كأنه مقحم وفي غير محله.
-انتصار الزوجة، انتصار للجذور.
-(أعقل وخليها في حالها) قالتها الزوجة لزوجها صابر، وهي خاتمة مريحة جداً للقارئ، ولكنها متوترة وقلقة، وموجعة للشَّخصية في متن هذه القصَّة القصيرة.

7- أُمم.
  تستلهم هذه القصة مضمون الآية الكريمة:
  "وما من دابة في الأرض ولا طير يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون" الأنعام 38
 كما تذكرنا هذه القصة كتاب كليلة ودمنة، لابن المقفع والقصص على ألسنة الحيوانات، وتحميلها إسقاطات الذات البشرية، من خلال أنسنتها، وتحميلها أزمة الواقع الراهن.
تتداخل في القصة تقنيات الكتابة والسرد، وتتحرك فيفضاء إنساني تغذيه عوالم ساحرة، ومقولات مأثورة، وأغنيات شعبية، وصور مسرودات حوارية، تسمي المكان باسمه، وترسم جغرافيا النَّص.
تم توظيف حكاية البطتين والسلحفاة بصورة فيها مهارة عالية، ولقد أثرت موضوع القصة، وخدمت الفكرة كما يجب. لأنها أوضحت حراك الحيوانات، وتنقلها وصيرورة الأشياء، وتموضعها في فضائها المحتوم.

8- إتكاءة على حافة الزمن السنين.
 - تحكي عن أوجاع الغربة وحصادها المر.
 - نلمح حضور شخصية الكاتب في قوله: (غدا حزنه نبيلاً لامتهانه هندسة الزرع والضرع). فالقاص عالم من علماء الزراعة، وله بحوث علمية رصينة في هذا المجال الحيوي.
- تعبِّر القصة عن تجارب الإنسان وأحزانه، وعدم تواصل الآخر معه.
- يندغم الحوار والتَّناص، مع الطاهر ود الرواسي ومحيميد، في موسم الهجرة إلى الشَّمال.
- تتضح لنا أزمة الشَّخصية وهزيمتها الموجعة في بلاد الغربة.
- تتابع لوحات متسارعة يحكيها الراوي، وتتقاطع مع حوارات بانورامية، ومونولوجات لا تخلو من شاعرية.
9- عروس القمر.
 تخوض القصة في موضوع أمونة، ومللها من زوجها ومصيرها المحزن، ومحاولة الخلاص بطقوس الزار من قبضة الزَّوج الفحل المسيطر القاسي. قصة معيارية نجد فيها اقتصاد العبارات، والجمل القصيرة، والصور البديعة المشحونة بالدَّلالات، التي صاغها القاص ببراعة، وحرفية عالية.
:(عبثت الأيدي القذرة بأشيائك الصغيرة).
- يوظف نص خليل حاوي في ختام القصة:
- (خلني ماتت بعيني منارات الطريق).
........................).
10- لعبة الدوران.
- تعبر عن معاناة المرأة الجميلة في طلب الوظيفة.
- استخدم القاص البياض (      ) في النص، للمسكوت عنه. 
- وقام باستدعاء وتحريك بؤر دالة، لدعم الرؤى في القصة، مثل:
- (حكاية البنت التي طارت عصافيرها).
- (شم العود).
- (طوقك الذي أدمى معصمي).
- تأتي النهاية السعيدة بانتصار المرأة وصمودها ومقاومتها للانكسار.
-هذه القصة من أقل قصص المجموعة حفاوة بالصور المسردة والتَّرميز، وربما تكشفت كل مساحيقها أمام القارئ.
عناوين القصص
جاءت عناوين قصص (حورية مريس) مركبة من كلمة، وكلمتين، وخمس كلمات، وهي دالة وموحية، وتحيل إلى مفاهيم تمهِّد لأجواء القصة، وذات صلة عميقة بالنَّص، وتتحقق فيها شروط العنوان، كعتبة مهمة من العتبات المهمة.
الشخوص والمواضيع:
      تتفاوت مواصفاتها وأبعادها، تأتي مكتملة الأبعاد في بعض القصص، كما في (التعوسب) و(عروس القمر) و(سقوط وتماثل)، كما تكون ذات ملامح خارجية في بعضها الآخر. مثل (لعبة الدوران) و(فصول) و(القنديل). وتعالج معظم القصص أزمة الإنسان وصراعه مع الآخر، وتحن إلى الفطرة والأصالة، وتقف على تفاصيل قضايا الفقر والجندرة والهوية. وكل الشَّخصيات يصعب الإمساك بها ورسمها بدقة، فهي في حالة من التَّوتر والانمحاق والتَّلاشي، بفعل الشَّد والجذب في الصِّراع المر الموجع.
الأزمنة والأماكن:
  تتنوع بين صباحات وأماسٍ، قد تمتد إلى أربعة أيام، وتتداخل في تشكيل يشي بتماسك لحمة الخيال، وانسياب الرؤى عند القاص، دون تدخُّل واضح منه في دفقات التَّوصيف.

تقنية السَّرد (العقدة والبناء العام):
    تضم المجموعة نصوصاً مركبة، توظف فيها تقنيات تدعم موضوع النَّص، وفيها من تيار الوعي الشَّيء الكثير، وتستخدم نظام النبضات، واللوحات، والفلاش باك، وتفتيت الزمن، والحوار والمونولوج. مع التَّناص الذي يحسن القاص توظيفه لتكثيف المواقف الشُّعورية والفكرية.  
    يجمع القاص بين اللغة الفصحى والعامية، في مجموعة (حورية مريس)، وتغلب عامية منطقة دار حمر على الحوار، مع تأثير ثقافة القاص على قاموس السرد، وتضمين مفردات معرفية قد تشكل على القارئ العادي.
     هناك خيط يشد قارئ مجموعة (حورية مريس) إلى مجموعة (دروب قرماش)[6] لأحمد الطيب زين العابدين، وذلك ما يُحسُّه هذا القارئ، عقب انتهائه من قراءة هذه المجموعة، فالأسماء دمزوقة وميرم كمبا وضوة أم كشمات وشنفو ويايا وحوة شيقلو وجرون، والعوالم السحرية التي تسبح فيها قصص المجموعة الثلاثة عشر. وهي قصص لا تخلو من تناص، يتم توظيفة بخبرة ومهارة عالية، كما يمثل الرسم والتشكيل بالكلمات، تقنية يحسن الكاتب استخدامها لتكثيف المعاني. مع ملاحظة بعض التَّمايز هنا وهناك، بين اللغة في (دروب قرماش) وبين اللغة في (حورية مريس)، لا تخفى على القارئ الفطن.  
***
                               



[1]    إرنست كاسيرر (اللغة والأسطورة ترجمة د. سعيد الغانمي).
[2]   http://nomaskfaces.blogspot.com/2010/10/blog-post_12.html
[3]  د. عبد العزيز شرف – مؤسسة المختار للنشر والتوزيع القاهرة ط/ أولى 2001م. ص 23
[4]  بناء الرواية، سيزا قاسم. ص 156     

[5] انظر قراءة جديدة في روايات الطيب صالح، الدكتور عبد الرحمن الخانجي، دار جامعة أم درمان الإسلامية للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1983م، ص 11
[6] دروب قرماش أحمد الطيب زين العابدين، بيت الثقافة الخرطوم الطبعة الأولى 1997م 

هناك 3 تعليقات:

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.