غلاف رواية الفراغ العريض لملكة الدار محمَّد
الغلاف الأخير للرواية وبه سيرة ملكة الدار محمد
رواية
(الفراغ العريض) 1970 م رواية
سودانية، لم تجد حظّها اللائق بها، من البحث والنَّقد والمدارسة، وما كتب عنها حتى
الآن، لا يعدو كونه اسقاطات عفوية تحاكم النّص مسبقاً بفرضية الحقبة التّاريخية،
وقوالب النّقد الجاهزة التي لا ترى في القديم ما يشى بنَفَس وملمح من ملامح
التّكنيك الحداثوي، الذي ينسب دائماً للراهن من التاريخ، ونسي هؤلاء أنّ المتنبي
أكثر حداثة من بلايين الشّعراء الذي يملأون منابرنا الثّقافية بضجيج وفحيح مزعج.
لقد وظّفت ملكة الدّار محمّد في رواية (الفراغ العريض)، اللغة توظيفاً
جمالياً وتمكنت بالمزاوجة بين المحكي اليومي والألفاظ المعجمية المدرسية الفصيحة،
في سبك من السّرد الميسور السّهل دون معاظلة وتقعير!
"ومادت الأرض تحت قدميها فاستندت إلى
الجدار السميك، وأحست بعزلة قاتلة، وبحاجة شديدة للبكاء - بل للصراخ، ودت لو تصرخ
وتملأ الدنيا صراخاً، فلم تستطع. وأرادت أن تجري وراء العربة في الشارع ولكن
قدميها مسمرتان إلى الأرض وهي مشدودة إلى الجدار.
وبعد لأي وقد تقدم الليل، استطاعت أن
تتحرك، وأخذت تسير في اتجاه بيتها بخطى مضطربة، والدنيا مظلمة في جهها، والمرئيات
تدور أمام بصرها وتدور، ونفسها كسيرة وقلبها مجروح، والفراغ عريض،عريض" خاتمة الرواية ص 200
منى وصلاح وحاج عمر وسارة وسعاد وسيد، شخصيات من لحم ودم وهموم ومواجيد
وأحاسيس وأشواق، تحددت قسماتها وتجلت بوضوح وعفوية ونزوع واقعي، دون رتوش وتمويهات
وافتعال.
وأنت عندما تطالع النّص، تقف هذه الشّخوص أمامَك بكل مكنوناتها، ولا
يكون دورك سالباً، بل تقوم بردم الفجوات، والمشاركة في تخلّق تلك الشّخوص،
استنباطاً وكشفاً.
كردفان والنّيل الأزرق حيث الطبيعة (الشّحمانة المدوعلة)، المتنوعة الغنية
الراكزة في عمق الوجود الإنساني الحي، عندها وعند هذا الفضاء المتوتر بالمرئيات
المدوزنة بالعافية، كانت مخبوءات الرّوى تصطرع في مخيلة ملكة الدار محمد، فتخوم
سنجة، وقيزان وخضرة وكردفان وتراثها، عوالم من البهاء لا بد لها من تمظهر وتجل في
خطوط سرد ملكة الدّار محمّد، لأنها كانت هناك! والعواصم بكل انكساراتها وأوجاعها
تأبى إلا وأن تكون في ركاب العفوية والطلاقة والبراءة والندى! (وراك وراك)، فزمان
الرومانسية محاصر ومطارد ومعزول في عصور التّاريخ والعمران المهجور في الضهاري
والأخالي والصقايع المترامية في النجوع والوهاد والبوادي البعيدة عن متناول
المدينة و(قوة عينها).
"وقد أشرق صحواً بهيجاً، فلما انتصف النهار تبدل صفوه
وتغير صحوه، واشتدت حرارة الشمس، وانصب لهيبها قاسياً محرقاً يلهب
الأجسام، ويحرق الوجوه، وأخذت قطع السحاب تتجمع هنا وهناك حتى صارت سحباً
كثيفة حجبت الشمس ومنعت الهواء ونشرت ظلمة قاتمة بعثت الضيق في النفوس والغيظ في
قلوب الذين لم يفرغوا من انجاز أعمالهم، ولبث الناس ينتظرون مطراً غزيراً ومياها
كثيرة" ص
24
طباعة رواية (الفراغ العريض) في عام 1970 م متأخرة
كثيراً عن زمان تخلقها وميلادها، فأجواؤها وعوالمها تؤهلها لعقدين سابقين من
الزمان، وفي هذا الزمن المبكر من عمر الرواية العربية والإفريقية والسودانية مما
يجعلنا نبحث عن رتبة تلائم هذا السبق للمرأة السودانية التي تمتعت بلعب دورها
الرّيادي في التّنوير والإبداع، فشخصية المرأة السودانية في هذا النص الروائي
-الفراغ العريض- شخصية متوثبة، وليست كما يشاع (كان فاس ما بتشق الرّاس (بل تشقه وتشقه وتشقه)! هذا في مقام الدلالة على الفعل
والعطاء! والحضور الحياتي الفاعل جداً ! ""لو أنه عارض رغبتها ! إنّ في وسعها أن تسعى إلى ما تريد دون أن
تكترث له أو لغيره، لولا أن شروط خدمة المتزوجة تقتضي موافقة الزوج في ذلك الوقت" ص 131
)
لن تكترث له أو لغيره (شاهد على نمو الشّخصية القوية
المتماسكة المستقلة، التي تعرف حاجتها التى تقتنع بها، وتتجه نحوها بكل قوة وعزيمة!
والكتابة
عن المرأة وقضياها بأدوات السرد الروائي، في تلك الفترة من عمر الثقافة السودانية، نقطة مضيئة، وريادة لها وزنها الراجح المعتبر. وذلك لأن المفهوم المغلوط السائد عند
الناس، هو أن المرأة السودانية لا تساهم في رفد الفعل الثقافي، لما تمر به من أحوال
اجتماعية ضاغطة، والشاهد أن هذه الأحوال ليست وقفاً على المرأة السودانية وحدها،
بل هي حالة عايشتها المرأة في كل أركان الدنيا، في تلك الفترة لأنها مرتبطة بالوعي
والمد الحضاري للتجربة الإنسانية.
- تقنية السّرد عند ملكة الدّار محمد.
مصطلح التقنية المنحوت من لفظي
العلم والصناعة (الفن) (Techno – logia) حفي بالرواية وأساليبها وطرق سردها،
ومسار أسرارها وحرفيتها التي عرفت بها. ويعرف قاموس مريام ويبستر مصطلح
التقنية بأنه:" التطبيق العلمي للمعرفة خاصة في حقل معين" http://ar.wikipedia.org/wiki/
والتقسيم الحاد بين المناهج،
الكلاسكية، والرومانسية والتاريخية، والواقعية والرعوية وغيرها، تقسيم تلحقه بعض
الشوائب والبقع الداكنة المعمية، فبين هذه المناهج قواسم وعلائق، وإن فصل الزَّمن
وتاريخ الأحداث بينها.
رواية الفراغ العريض، رواية تلتزم
تقنية سردية تتنوع فيها عناصر السرد، وتحيل القارئ إلى فضاءات من الحكي المشبع
بالخبرات، فالفلاش باك والبانوراما والرسائل والنزعة البوليوفونية Polyphony (تعدد الاصوات) على غير المألوف في فترتها الزمانية، وتنوع خطاب السرد من خلال
ضمير المتكلم، والمخاطب والغائب، وتسارع الزمن وتفتيته، هي بعض الأساليب وتقنيات
السرد، التي تعالج بها رواية الفراغ العريض،
- النَّقاد والرّواية.
-
اللغة وعتبات الكتابة.
-
المرأة السّودانية وعوالم الرّواية .
تبع.......
محمّد الفاتح يوسُف أبوعاقلة