السودان المجنى عليه تاريخـًّا وحضارة
- كوش
أستاذ الدراسات السودانية والمصرية القديمة
0. مقدمة
كما سبق أن ورد في مقالة سابقة مشتركة بيني وبين زميلي وصديقي البروفسير يوسف مختار الأمين، لم يعان بلد ما، ذو ماض عريق وحضارة عريقة، مثلما عانى السودان ولا يزال يعاني في تسميته وفي نسبة تاريخه القديم وحضارته. وليت المعاناة توقفت عند تعدد الأسماء المعطاة له، الظالم له بعضها. بل تجاوزت ذلك إلى اغتصاب ماضيه العريق، حضارة وتاريخـًا، هنا وهناك بصورة ما أو أخرى، ما سيكون لنا حديث فيه طويل يومـًا ما. من هذا الاغتصاب ادعاءات الحركة الشعبية الآن حول كوش.
1. الإجابة عن سؤال الفريق الركن الرشيد
بدءًا بالإجابة عن سؤال الفريق الركن إبراهيم الرشيد للمؤرخين السودانيين في الانتباهــــــة
(الأحد 21 نوفمبر 2010 ) ما إذا "كان هناك أي ارتباط بين حضارة كوش ومن بعدها الحضارة المروية بالقبائل الزنجية المعروفة بالقبائل النيلية"، أجيب الإجابة القطعية النافية، الواردة في الفقرة التالية. وذلك، لا بمعلومات من الموسوعات بالإنترنت وغيرها، وإنما من تجربة نصف قرن من الزمان وحياة طويلة بين النقوش السودانية والمصرية القديمة المكتوبة باللغة المصرية القديمة، والآثار المادية السودانية القديمة، الثابتة والمنقولة. وهو قول وشهادة لوجه الله تعالى، لوضع الأمور في نصابها الصحيح. لكن قبل الإجابة أوضح أنه لا تمييز، كالوارد في السؤال، بين "حضارة كوش" و"حضارة الفترة المروية". فكما هو موضح في آخر هذه المقالة، فإن الحضارة هي "حضارة كوش" في الفترة المروية وما قبلها، قرونـًا طويلة حتى فترة كرمة.
الإجابة القطعية عن السؤال المطروح هي أنه، وحسب ما هو متوفر من أدلة آثارية الآن، ليس هناك ألبتة ما يثبت أي ارتباط بين حضارة كوش في مختلف عصورها، ومنذ أن ظهر اسم كوش في التاريخ، "بالقبائل الزنجية المعروفة بالقبائل النيلية" كما هي مسماة في السؤال. ولا يظهر فيما هو معلوم عن جنوب السودان الآن من الموروثات الحضارية السودانية القديمة المنسوبة لكوش كالذي هو ظاهر الآن في وادي النيل من حلفا إلى سنار، ليعطي تلك الادعاءات أملاً ولو ضعيفـًا من المصداقية. فلا عادات ولا تقاليد. بل ولا صلة لغوية مؤكدة ومقنعة لأي من اللغات الجنوبية بالمعلوم من لغة كوش، وهي اللغة السودانية القديمة المشهورة بالمروية الآن. وإنما هي بضع مفردات يسوقها بعض الباحثين، لا تقوم دليلا على وشائج لغوية. ذلك لأن الوشائج اللغوية لا تثبتها المفردات المتفرقة، إذ أن المفردات، وكما أسميها دائمـًا، "طيور مهاجرة". ولكن تثبتها الآليات النحوية المتطابقة أو المتماثلة أو المتقاربة، ما لم يثبته أحد ما إلى اليوم، وحسب علمنا، بين أي لغة جنوبية ولغة كوش، السودانية القديمة المشهورة بالمروية.
2. كوش = شمال السودان اسمـًا
كوش هو اسم السودان قديمـًا، بلغة البلاد. لا نعرف معناه بعد. وليس اسمـًا أطلقه المصريون عليها كما يرد في بعض المؤلفات بالعربية. وليس ثمة اسم بالعربية يطابقه منطقـًا، وبالدليل المنطقي القاطع، سوى "السودان". إن الاسم "كوش" موثق في الوثائق القديمة المصرية والسودانية والعراقية الأشورية والأكسومية والنسختين العبرية، الأصلية لكتاب بني إسرائيل المسمى "العهد القديم"، وترجمتها العربية. وهو يقابل "إثيوبيا" الإغريقية ( اليونانية ) الواردة في كتب اليونان والرومان وفي الترجمتين اليونانية واللاتينية للعهد القديم، وفي اللغات ألأوروبية المعاصرة.
و"إثيوبيا" معناها "بلاد ذوي الوجوه المحروقة بالشمس". ذلك لأن يـا في آخر الكلمة هذه بمعنى "بلاد"، وإثيوبس ( بالسين الزائدة المألوفة في اليونانية ) معناها "ذو الوجه المحروق بالشمس". وليس معناها "أسود" لزامـًا. فقد يكون هو الأسمر أو الأسود؛ أي غير الأبيض في نظر الإغريق . ذلك لأن الإثيوبيين عند الإغريق هم السمر والسود معـًا من الشعوب. وهم الذين سماهم المؤرخون الإسلاميون "السودان"، فتكون أي بلاد لهم هي "بلاد السودان". والعربية هذه جمع من الجمع "السود"، أي ما يسميه النحويون "جمع جمع" اصطلاحـًا. وتعني بذلك "الشعوب السوداء". أما "إثيوبيا"، فإن مقابلتها، بل ترجمتها، العربية المنطقية الصحيحة، هي "بلاد السودان". لذا فإن مناسبة اسم "السودان" لبلادنا كمقابل لكوش مبرر بالمعادلة البسيطة التالية، القائمة على الترادف بين كوش وإثيوبيا في المصادر المذكورة من جهة ودلالة إثيوبيا بالعربية من جهة أخرى، وهي
كوش = إثيوبيا = ( بلاد ) السودان.
وبما أن كوش التي عرفها قدماء المصريين هي شمال السودان، وأن إثيوبيا التي زارها بعض الكتاب اليونان والرومان أو سمعوا عنها وأرخوا لها ووصف بعضهم مروي بأنها أم القرى فيها (عاصمتها) هي شمال السودان أيضـًا، فإن كوش في المعادلة السابقة تكون هي شمال السودان بلا شك. وهذا ما تثبته الفقرة التالية بعنوان كوش = شمال السودان موقعـًا والخارطة المصاحبة لها. لذا فإن السودان هو الاسم التاريخي لبلادنا، وأصدق الأسماء لها، وليس اسمـًا عشوائيـًّا كما قد يتوهم البعض. علينا أن نعض عليه بالنواجذ، ولا نستبدله بآخر ولا نتركه لآخرين، مهما كان؛ لا هو ولا كوش. نموت عليهما ونحيا لهما.
ولا بد أن ننبه القارىء في هذا المكان بأن لفظة "إثيوبيا"، لا في هذه المعادلة السابقة ولا في أي نصوص يونانية لاتينية راجعة لما قبل القرن السادس الميلادي ( 515 م تحديدًا )، كانت تعني أو تشمل فيما تشمله إثيوبيا الحالية أو أي جزء منها. فقد كانت اسمـًا لسوداننا وحده منذ أقدم استخدامها حتى نهاية الفترة المروية لكوش نحو منتصف القرن الرابع الميلادي. ولم تسم المصادر اليونانية اللاتينية المملكة التي كانت تسمى أكسوم آنذاك بإثيوبيا إلا في القرن السادس الميلادي؛ أي بعد أن انتهت الفترة المروية وسكتت عن السودان المصادر اليونانية الرومانية الأصل في القرن الرابع الميلادي. لذا فإن أي ذكر أو إشارة لإثيوبيا أو للإثيوبيين بوادي النيل، في كتاب العهد القديم كما في كتابات اليونان والرومان قبل القرن السادس الميلادي، هي لسوداننا وحده ولأجداننا قدماء السودانيين وحدهم.
وهذه نقطة عارضة، لكنها مهمة، نزيل بها أي التباس قد يحصل للقارىء، وسنفصل فيها في مقالتنا، التي ستكون الثالثة، عن الاغتصاب الثاني لتاريخ السودان وحضارته، إن شاء الله تعالى.
3. كوش = شمال السودان موقعـًا
الذي ينظر في خارطة كوش/السودان يدرك يقينـًا أن كوش، موقعـًا جغرافيـَّا ومواقع آثارية، ذات التاريخ والحضارة الطويلين الناصعين المقرونين بها، هي شمال السودان الحالي، وجنوب مصر مباشرة. يؤكد الحقيقة البدهية الأخيرة وصف النقوش الأشورية وكتاب العهد القديم لمناطق وادي النيل من الشمال إلى الجنوب. ففي النقوش الأشورية، وفي وقت حكم السودان للسودان ومصر ( كوش ومصر ) معـًا، هي مُصر ( بضم الميم ) وبتروسي "الصعيد" وقوس(بالقاف والسين ) "كوش". وفي النسخة العبرية لكتاب العهد القديم وترجمتها العربية هي مصر وفتروس ( بالفاء ) "الصعيد" وكوش. أما في النسخة اليونانية لكتاب العهد القديم نقسه، وفي اللاتينية بعدها واللغات الأوربية بعد ذلك، هي إيجبت "مصر" وبثروس ( بالثاء ) وإثيوبيا. فسواءً أكان اسم البلاد هو قوس/ كوش أو إثيوبيا فإن هذه المصادر القديمة اتفقت جميعها في جعل البلاد جنوب مصر وبعد الصعيد مباشرة،؛ أي هي "شمال السودان" الحالي.
لعله لا يخفى على القارىء أن هذا الموقع الجغرافي نفسه هو الذي قامت فيه الممالك المسيحية بعد ذلك وورثته عنها مملكة الفونج الإسلامية وشركاؤها العبداللاب. فالأرض هي الأرض، شمال السودان، وإن تعاقبت عليها السيادات السياسية والصبغات الحضارية، الدينية وغيرها، دون أن تخلو اللاحقة منها من موروثات حضارية عن سابقتها. فوحدة المكان(كوش/السودان) أدت لتوارث بعض الموروثات التي لا تزال باقية. هي خليط من الوثتية الكوشية والمسيحية والإسلامية. وهنا يتساءل المرء إذن، فأي موروثات من هذه أو تلك يجدها أي امرىءٍ ما يقينـًا في أي موروثات حضارية ما لجنوب السودان الآن، ليجادل بها عن انتمائه اليقيني لكوش ؟ لا أعلم.
يلاحظ المرء ( في الخارطة ) أن كوش في ذروة اتساعها، ابتداءً من القرن الثاني قبل الميلاد، امتدت من الدكـَّة ( في النوبة المصرية الآن ) إلى سنار وكوستي جنوبـًا. كما يلاحظ أن مركز ثقلها هو وسط السودان، من دنقلا إلى سوبا.
ولا يقولن أحد أنه ما دام الأمر كذلك، فإنه لا يحق لشمال السودان أن يطالب الآن بما وراء سنار وكوستي جنوبـًا. وهذه حجة داحضة. فلو كان الأمر كذلك لحق للسودان أن يطالب مصر بالأماكن السودانية القديمة الواقعة في النوبة المصرية الآن، حتى الدكة شمالاً. كما كان سيحق لكثير من دول العالم المطالبة بما كان لها في التاريخ القديم وصار لغيرها من الأراضي، مثلما أنه سيلزمها رد ما آل إليها لأسباب ما في العصور التالية. ينطبق هذا على أوروبا وآسيا بصفة خاصة. فأي مآل سيؤول له العالم جراء ذلك؟ وهذه مسألة عارضة خارج الموضوع، متعلقة بالتاريخ السياسي للسودان، محسومة بالنسبة له، ولا يعجزني أن أخوض فيها. ولكني أتركها لأصحاب التاريخ الحديث، وما جاءت بها إلا المناسبة.
يلاحظ المرء أن العواصم المفترضة أو اليقينية لكوش في مختلف العصور كلها في شمال السودان بطبيعة الحال. فالعاصمة الأولى المفترضة هي كرمة في منطفة دنقلا، تلتها يقينـًا نبتا (بالألف لا التاء المربوطة ) في منطقة كريمة، ثم مروي قرب كبوشية بمنطقة شندي. والأخيرة وحدها ظلت عاصمة لنحو ألف سنة متصلة من القرن السادس قبل الميلاد حتى سكوت المصادر عن كوش في القرن الرابع الميلادي. لعل العاصمة بعد ذلك، وتحت ضغوط القبائل النوبية المتزايدة في القرن الرابع الميلادي ، انتقلت بعد مروي إلى سوبا وربما بعد الأخيرة إلى سنار. والأخيرتان عاصمتان مفترضتان لكوش سبق لي افتراضهما في أحاديثي في الإذاعة السودانية في السبعينات وتكراره في صحيفة سودانية في أواخر الثمانينات وفي بحث واحد في الأقل منشور عالميـًّا. فيما بعد، صارت أولى المدينتين عاصمة لعلوة المسيحية والثانية للفونج الإسلامية.
كما يلاحظ المرء أن الحواضر المسيحية والإسلامية كلها واقعة داخل كوش/ شمال السودان.
أما مواقع كوش الآثارية، فكلها، وكما توضحه الخارطة، في شمال السودان. أضخمها وأهمها ( من الشمال إلى الجنوب ) فرس، الكوة ( الشمالية )، كرمة، البركل، نوري، مروي القديمة، البجراوية، النقعة، المصورات الصفراء، سوبا. وذلك بكثافة نسبية وتجمع في مناطق الكوة – كرمة، البركل – نوري، مروي القديمة – البجراوية – النقعة – المصورات. إن معظم المعابد السودانية محصورة ما بين الكوة في الشمال ومروي القديمة والنقعة والمصورات في الجنوب. كما أن المدافن الهرمية وغير الهرمية لكل ملوك كوش وملكاتها، وبلا استثناء، موزعة ما بين الكرو قرب كريمة، ونوري شرقها، والبجراوية قرب شندي. وتندرج تحت ذلك آثارهم الثابتة والمنقولة المتنوعة التي حفظت أسماء كثيرين وكثيرات منهم. وذلك لما لا يقل عن سبعة وستين ملكـًا وملكة، لنحو ألف ومئتي سنة من الحكم متصلة.
4. كوش/شمال السودان. وطن الملوك والملكات نسبة ً
إن نسبة ملوك السودان وملكاته لكوش، أي ( شمال ) السودان، كوطن مؤكدة قطعيـًّا بأكثر من دليل.
الدليل الأول هو أن رأس أسرة ملوك كوش وملكاتها، المعلوم لنا، وهو كوشتو ( كاشتا في القراءة القديمة )، منسوب إلى كوش بواقع اسمه، الذي يعنى "الكوشي"، أي "السوداني (الشمالي )"، بلغة كوش. وهي اللغة السودانية القديمة المشهورة بالمروية. ينتسب إليه نسبة يقينية ومباشرة الملوك العشرة الأوائل ( وأسرهم الصغيرة الخاصة ) من بيي ( بعانخي ) في القرن الثامن قبل الميلاد إلى ملونقون في القرن السادس قبل الميلاد؛ أي لنحو قرنين من الزمان. ولا بد من أن يكون قد انتسبت إليه البقية الباقية من الملوك والملكات بعد ذلك ( الذين لم نعثر على أنسابهم بعد )، لأن الحكم كان وراثـيًّا أصلا ً، حسب المتوفر لنا من أدلة، إلا أن يكون هنالك من بين هؤلاء الأخيرين ممن هو من خارج العائلة واغتصب الملك. وهذا ما لا نعلمه، ولا ينبغي أن نبني عليه شيئـًا افتراضـًا.
ثم إن كوشتو ليس هو الوحيد المنسوب لكوش باسمه. فمن الرجال والنساء من عاش بمصر ولكن نُسب إلى كوش باسمه ( "الكوشي" ) أو اسمها ( "الكوشية" )، وباللغة المصرية القديمة، تمامـًا كما ينتسب الآن إلى السودان بعض السودانيين المقيمين بمصر.
الدليل الثاني هو أنه ليس اسم كوشتو وحده فحسب هو المكتوب بلغة كوش، اللغة السودانية القديمة، بل إن كل أسماء الملوك الحاكمين والملكات الحاكمات المعلومة لنا، باستثناء واحد هو حورسيوتف، مكتوبة بهذه اللغة، التي لا صلة واضحة لها بأي لغة جنوبية الآن.
إذن فما دامت كوش هي السودان، وشمالية موقعـًا، فإن لغتها الخاصة بها، التي لا علاقة مؤكدة لها بأي لغة جنوبية، تكون شمالية أيضـًا، كما يكون ملوكها وملكاتها شماليين نسبـًا ومدافن وآثارًا ولغةً وأسماءً ومُلكـًا ( بضم الميم ). وإذا شاء المرء أن يكتفي بالقليل ( مع وجود الكثير ) من التمثيل القاطع، فإنه يكفيه ما يأتي لهذه المناسبة. وفي كتابي بالإنجليزية ( الجزء الأول بعنوان المجد الذي كانه السودان: الهوية والإنجاز التاريخي )، المعد للنشر الآن، ما يقارب الثلاثين دليلاً، التي يمكن الرجوع إليها عندما ينشر بإذن الله تعالى.
أولاً: أن رأس الأسرة الملكية اسمه كوشتو "الكوشي/السوداني ( الشمالي )"،
ثانيـًا: أن الملكين العراقيين الأشوريين أسرحدون وابنه أشوربانيبال وصفا تهارقو
( الملك الخامس ) بأنه "ملك مصر وقوس ( بالقاف والسين )"، وأن كتاب بني إسرائيل المسمى "العهد القديم" وصفه مرة بأنه "الكوشي" ( سفر الملوك الثاني ) ومرة أخرى بأنه "ملك كوش"
( سفر إشعيا )،
ثالثـاً: أن ستـًّا من الملكات العظيمات ( بنات ملوك، وأخوات ملوك وزوجاتهم معـًا، وأمهات ملوك ) موصوفة كل واحدة منهن بأنها "سيدة كوش".
5. وحدة الدولة والحضارة والتاريخ
يجد المرء في كثير من المؤلفات بالعربية واللغات الفرنجية أيضـًا تسميات مثل "مملكة كرمة" و"مملكة نبتا" ( بتسكين الباء، أو تسكينها مع التاء المربوطة خطأً بالعربية ) و"مملكة مروي". وكلها تمزيق لوحدة السودان القديم حضاريـًّا وتاريخيـًّا، بل وسياسيـًّا وأسريـًّا أيضـًا، وبين الفترتين النبتية والمروية على وجه الخصوص. كانت تلك التقسيمات قائمة على النظرة للتاريخ القديم للسودان وحضارته قبل السبعينات، حين ساد الاعتقاد بأن كل هذه ممالك منفصلة لها أصحابها المختلفون وحضاراتها المختلفة. ولكن الأدلة اليقينية والظرفية معـًا بعد ذلك بررت الاعتقاد بأن هذه كلها فترات تاريخية وحضارية لأرض واحدة شاسعة ودولة واحدة هي كوش، شمال السودان حاليـًّا. لذا فالأفضل أن نجعلها فتراتٍ من تاريخ "السودان القديم" وحضارته، نسميها، وبالتتالي، "فترة كرمة" و"الفترة النبتية الأولى" ( قبل حكم السودان ومصر معـًا في الأسرة الخامسة والعشرين السودانية لمصر ) و"الفترة النبتية الثانية ( بعد فقدان مصر والعودة لنبتا ) ثم "الفترة المروية" ( بعد انتفال العاصمة لمروي ). ولا ينبغي أن نسمي تاريخ البلاد إلا "تاريخ السودان القديم" ولا حضارته إلا "حضارة السودان القديم"، اتباعـًا للنهج الذي سار عليه كل من العلماء الأجلاء، البريطانيان آركل وشيني ، اللذان تعاقبا في إدارة مصلحة الآثار السودانية ( اسمها آنذاك ) والألماني هينتزة (الذي نقب في المصورات ) والمصري محمد ابراهيم بكر الاستاذ بجامعة القاهرة أصلاً والسوداني نجم الدين محمد شريف الذي كان مديرًا لمصلحة الآأثار السودانية . وفي تعدد التسميات الظالمة للسودان القديم ومشاكلها رأي واضح لي ولزميلي وصديقي البروفسير يوسف مختار الأمين، في البحث المنشور المذكور في المقدمة أعلاه، وليس المقام هنا مقامه الآن.
لعل هذا القدر يكفي. وهناك المزيد. آمل أن أكون قد بلغت. والله على ما قلتُ أشهدٌ.
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذفأزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذفأزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذفأزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذف